🖋️ حوار أدبي مع الأديبة وفاء ميلود ساسي
في لقاء يغمره الحرف العميق والتجربة الصادقة، نفتح نوافذ الكلمة على عوالم الأديبة الليبية_ وفاء ميلود ساسي، لنتعرف على بداياتها، طقوسها، وأثر الحرف في رسم هويتها الأدبية والإنسانية.
السؤال الأول: كيف كانت بدايتك مع الكتابة؟ وهل تتذكر أول نص كتبته؟
كانت بدايتي مع الكتابة أشبه بلقاء قدري، حيث
خطّ قلمي على الإنترنت بعض الخواطر التي تحمل طابعًا شعريًا. شعرت حينها بأنني
وجدت عالمي، كما قال الأديب الراحل محمود درويش: "على هذه الأرض ما يستحق
الحياة". ومع مرور الوقت، أصبحت
الكتابة جزءًا لا يتجزأ مني؛ لا يمر يوم إلا وأدوّن فيه أفكاري وكتاباتي الرقيقة
في دفاتري. تأثرت كثيرا بقصيدة "جدارية" لمحمود درويش، خاصة قوله:
"سأصير يوما ما أريد"، وكذلك بعبارة وليام شكسبير الشهيرة: "أكون
أو لا أكون". صارت الكتابة لي وسيلة للتعبير
عن الذات والواقع، وأحيانا أكتب من الخيال في لحظات التأمل والسكون. أتذكر جيدا
أول نص كتبته، وكان أقرب إلى القصيدة. كنت حينها طالبة دراسات عليا في كلية القانون،
أحلم بالنجاح والعودة إلى الموطن، فقلت:
"يا حُلما
فاض بك الرجاء فلم أعد أحتمل، قل لي متى ستأتي أقول لك انتظر، حبر قلمي كاد على
النفاذ وصبري كاد ينفذ، عد إلى وطني لأفرش لك الأرض زهرا وريحانا، عد يا حلمي"
السؤال الثاني: ما الذي ألهمك لدخول عالم الكتابة؟ وهل كان هناك شخص معين أثر فيك؟
ما ألهمني للكتابة لم يكن لحظة عابرة أو
نزوة، بل شرارة وُلدت من أعماق التجربة والوجدان، وكأنها رسالة وجدت طريقها إلي.
كانت لحظة وعي، شعرت فيها أن للكلمة قوة لا تُقاس، وأن الصمت أحيانا يحتاج إلى
ترجمان. الشخص الذي كان له الأثر الأكبر في مشواري هو شقيقي، رحمه الله، فقد كان
صاحب موقف وكلمة، وشكل رحيله منعطفا حاسما في حياتي، وجعلني أراه قدوة ومسارا. لم
أكتب يوما لأجل الترف أو المجد، بل لأجل الشعور الذي يختنق إذا لم يُقال، والكتابة
بالنسبة لي مقاومة ناعمة، تترجم الوجع وتحتضن الأمل.
السؤال الثالث: كيف تصف البيئة التي نشأت فيها؟ وهل كان لها تأثير على توجهك الأدبي؟
نشأت في كنف عائلة تقدر العلم، وكان والدي رحمه الله أول من علمني القراءة والكتابة، وزرع في داخلي حب اللغة العربية، بفصاحته وحرصه التربوي، فهو كان معلما ومفتشا تربويا في اللغة العربية والتربية الإسلامية. وقد كان سببا في التحاقي بمدرسة قرآنية، فكان للقرآن الكريم الأثر الأعمق في تكوين ذائقتي الأدبية، فقد صقلت تلاوته لساني، ورقت بها لغتي. في العطل الصيفية، كنت أقرأ من مكتبة والدي الثرية بكتب اللغة والأدب والشعر، وكأنني أعيش بين أروقة الإذاعة، أو أعتلي منبرا في أمسية شعرية..
السؤال الرابع: كيف تختارين مواضيع كتاباتك؟ وهل هناك موضوع معين يتكرر في أعمالك؟
أختار
مواضيع كتاباتي بناءً على اهتمام عميق بالقضايا الإنسانية والاجتماعية والثقافية
التي تمس جوهر الإنسان. أؤمن بأن الكلمة يجب أن تحمل رسالة واضحة، لذلك أركز على
موضوعات تعكس هموم الناس وتطلعاتهم، مع تسليط الضوء على الجوانب القانونية خاصةً
عندما يتعلق النشر بصحف يومية أو شهرية، تهدف إلى توعية العامة. وأميل إلى
الموضوعات المثيرة للجدل محلياَ ودولياً.
السؤال الخامس: ما هي طقوسك الخاصة عند الكتابة؟ وهل هناك وقت معين تعتبرينه الأفضل للإبداع؟
أحرص
على الهدوء والسلام الذهني قبل الكتابة، وأبدأ بقراءة جزء من المصحف لأشعر بالنقاء
والصفاء. أفضل وقت للكتابة هو ساعات الليل المتأخرة حيث يسود الهدوء ويسمح لي بالتواصل
العميق مع أفكاري. أحيانا أذهب إلى الطبيعة في وضح النهار لأتأمل الفراشات
والأشجار والجبال، حيث يساعدني الصمت في تحفيز طاقتي الإبداعية. الكتابة بعد هذا
التأمل لها وقع خاص، حيث تنساب الكلمات كما تنساب المياه في مجرى النهر، وتتألق
كنجوم في السماء، مما يفتح لي آفاقًا واسعة للتعبير والصفاء الذهني.
السؤال السادس: هل تعتبرين نفسك كاتبة تقليدية أم تميلين للتجديد والتجريب؟
أرى أن الكتابة فن متجدد لا يتوقف عند حدود أو قواعد جامدة، وأنا أميل إلى المزج بين الأصالة والتجديد. أحترم التقاليد الأدبية وأقدّر قيمها، فهي العمود الفقري لأي إنتاج أدبي قوي، لكني لا أخشى الخروج عن المألوف وتجرِبة أساليب وأفكار جديدة تواكب روح العصر. التجريب بالنسبة لي ليس مجرد تحدٍ، بل هو مساحة للإبداع تسمح لي بأن أعبر عن رؤيتي الخاصة وأصل إلى طرق جديدة للتواصل مع القارئ. لذلك، أعتبر نفسي كاتبة تجمع بين الجذور والابتكار، تحرص على أن تظل الكلمات نابضة بالحياة ومتجددة، تتنفس مع كل تجربة وأثر جديد. لذلك خضت تجربة الشعر في مسابقة أدبية، وارغب في تنوع كتاباتي
السؤال السابع: هل تعتقدين أن الكاتب يجب أن يكون له دور في التأثير على المجتمع وقضاياه؟
بكل تأكيد، أرى أن الكاتب يحمل مسؤولية كبيرة تجاه مجتمعه، فهو ليس مجرد ناقل للقصص والأفكار، بل هو صوت يعكس هموم الناس وتطلعاتهم. الكتابة قوة ناعمة تستطيع أن تفتح آفاق الوعي، وتغيّر الأفكار، وتلهم التغيير. الكاتب الحقيقي لا يكتب من أجل الذات فقط، بل يكتب ليصل إلى القلوب والعقول، ليكون جزءا من الحراك الفكري والاجتماعي. من خلال كلماته، يمكنه أن يسلط الضوء على القضايا الهامة. لذلك، أؤمن بأن للكاتب دورا فاعلا في المجتمع، لا يقتصر على الإبداع الأدبي فقط، بل يتعداه إلى التأثير الإيجابي والبناء.
السؤال الثامن: حدّثينا عن آخر عمل أدبي لك، وما الذي يميّزه عن أعمالك السابقة؟
من آخر أعمالي الأدبية مشاركتي في المسابقة الأدبية للدكتور عبد الرحمن العبدالله المشيقح، في نسختها الخامسة لعام 2025م، بالمملكة العربية السعودية، وذلك في فرعي المقال الأدبي والقصيدة العربية، وهي تجربة أعتز بها لما تحمله من قيمة أدبية ومكانة عربية مرموقة. قدّمت مقالاً بعنوان "حقوق المرأة العاملة وتلاشيها عبر الزمن"، تناولت فيه وضع المرأة من منظور شرعي وقانوني وواقعي، بين التكريم في النصوص والتهميش في الحياة. كتبت عن نساء عبرن الأزمنة في صمت، وغابت حقوقهن في زيف الحضارة. هو مقال لا يكتفي بوصف الواقع، بل يطالب بإنصاف المرأة. أما نصي في القصيدة العربية فكان بعنوان "شاعر المديح والهجاء"، تجسد المفارقة الشعرية بين المدح والذم، ويجسد الشاعر كمرآة للمجتمع، يلتقط مواطن الجمال والخلل بصوت موزون، عذب، يوقظ الوعي وينكأ الغفلة. ما يميز هذه المرحلة في مسيرتي الادبية هو التوازن بين العمق والوضوح، وبين الفكر والشعور، والقدرة على التعبير بصوت لا يطلب الصدى بل يترك الاثر
.jpeg)
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire
كلامك يدل على مستواك